شباك في الحي

الفصل الثالث: ولد البقّال
كان كل يوم يعدّي من تحت شباك ندى، بنفس الخطوة السريعة، بنفس التيشيرت الأزرق اللي بقى باهت، وبنفس الشنطة السودة اللي باين عليها التعب أكتر من الولد نفسه.
اسمه الحقيقي؟ محدش يعرفه.
بس الناس في الحي بيقولوا عليه: “ابن البقّال”
عشان أبوه عنده محل بقالة صغير آخر الشارع، جنب فرن العيش.
ندى كانت دايمًا تبص له…
ولد نحيف، يمكن عنده 11 أو 12 سنة، وشه ساكت، بس عينيه ما بتسكتش.
عينيه بتدور على حاجة…
أمل؟ خوف؟ أو يمكن حد.
في يوم، ندى نزلت تجيب حاجات من عند البقال…
أمها كانت عايزة سكر وشاي، وقالتلها:
– “نزلي بسرعة يا ندى، قبل الزحمة.”
– “حاضر يا ماما.”
لبست الطرحة وخرجت، ونزلت السلم بهدوء، ونبضها عالي…
مش عارفة ليه حاسة إن فيه حاجة هتحصل.
وأول ما دخلت المحل…
كان هو اللي واقف ورا الرخامة.
ندى اتفاجئت.
أول مرة تشوفه من قريب.
كان بيحط حاجة في الرف، ولما شافها وقف، ومسح إيده في المريلة اللي لابسها، وقال:
– “أيوه يا أختي، عايزة إيه؟”
صوت طفولي بس فيه رجولة متكسبة من الشغل والتعب.
ندى اتلخبطت شوية، بس ردت:
– “كيس سكر وكيس شاي لو سمحت.”
الولد ما اتكلمش، لف بسرعة، جاب المطلوب، وحطه على الطاولة.
ندى مدت له الفلوس…
بس قبل ما تمشي، سألت سؤال عفوي، كأنها مش هي اللي بتسأل:
– “إنت بتروح مدرسة؟”
سكت، وبصّ لها لحظة طويلة…
ثم قال:
– “كنت. دلوقتي بشتغل هنا بس.”
وكمّل:
– “الدنيا مش بتمشي بالكتب.”
ندى حسّت بكلمة “الدنيا مش بتمشي بالكتب” كأنها طعنة في قلبها.
هي اللي كانت بتحلم تبقى كاتبة، تقرأ وتكتب وتشوف الدنيا من الشباك…
وهو، صغير كده، وقف قدامها وقال الحقيقة اللي بتحاول تهرب منها.
خرجت من المحل، والمشوار كان تقيل…
رجعت الشقة، قفلت الباب وراها، وقعدت جنب الشباك كالعادة.
فتحت الكراسة، وكتبت:
“الولد اللي تحت الشباك، مش طفل.
عينيه شايفة أكتر من سنه، ولسانه ساكت بس مليان حكايات.
اسمه مجهول، بس حكاياته مش مجهولة…
هو مش بيتعلم من الكتب، هو بيتعلم من الشارع.”
لكن قبل ما تقفل الكراسة، سمعت صوت عالي في الشارع…
خناقة.
صوت صريخ، وناس بتتجمع، وواحد بيزعق:
– “سيب العيل! إنت هتموّته؟!”
ندى جريت للشباك، قلبها بيخبط،
ولقيت الناس ملمومة حوالين البقالة…
والصوت كان جاي من جوّا.
البقّال بيضرب ابنه.
اكتشاف المزيد من ترند مصر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.