شباك في الحي

الفصل الرابع: خناقة الجمعة
الساعة كانت قربت 1 الظهر، والناس بدأت تتحرك ناحية الجامع، الرجالة لابسين جلاليب، والستات واقفين في البلكونات يلمّوا الغسيل بسرعة.
الجمعة هنا مش بس صلاة…
الجمعة يوم تتجمّع فيه الحكايات.
بس الحكاية النهاردة بدأت من قبل الأذان.
صوت الضرب كان طالع من محل البقالة، وصوت الولد بيعيط بشدة.
ندى كانت لسه واقفة جنب الشباك، قلبها اتشد للمشهد، بس رجليها اتسمرت.
عم سيد – البقال – كان ماسك عصاية طويلة، وبيضرب الولد اللي طلع اسمه “مازن”.
ناس كتير اتجمعت، والكل بيزعّق…
بس مفيش حد اتدخل فعليًا.
– “حرام عليك يا راجل، ده عيل!”
– “الواد عمل إيه؟”
– “بيقول سرق علبة سجائر!”
– “مازن يسرق؟ ده شغال معاه طول اليوم!”
الناس ما بين اللي مصدّق واللي مش مصدّق…
لكن ندى كانت حاسّة بحاجة تانية.
“مازن مستحيل يكون سرق. هو أصدق من كل الناس اللي واقفة دي.”
أمها كانت واقفة وراها، وقالت بنبرة حادة:
– “اقفلي الشباك يا ندى، مالناش دعوة!”
ندى ردّت لأول مرة بجُرأة:
– “لأ… إحنا لينا دعوة.”
ونزلت.
نزلت السلم بسرعة، قلبها بيخبط، بس مش من الخوف…
من حاجة أكبر: الغضب.
من سنين وهي قاعدة تتفرج، تكتب، تسجل، لكن أول مرة تبقى جزء من المشهد.
دخلت وسط الناس، ودخلت جوّه المحل.
مازن كان قاعد على الأرض، وإيده متعورة، وعينه باين فيها الرعب.
ندى وقفت قدام عم سيد وقالت:
– “إنت متأكد إنه سرق؟”
– “إنتي مالك؟”
ردّت بقوة، صوتها ما كانش عالي، لكن واضح:
– “أنا واحدة من الناس اللي بتشوف، وبكتب كل يوم. مازن بيمر من تحت شباكي الصبح والمسا، عينيه أنضف من ناس كتير… ولو سرق، يبقى من الجوع مش من الطمع.”
الناس سكتت.
الراجل اتفاجئ، والولد بصّ لندى بنظرة مختلفة.
أول مرة حد يقف معاه.
ما حدّش قدر يقول حاجة…
والمشهد خلص بنص كلمة، والولد خرج يجري، وندى خرجت وراه.
لحقت به عند أول الشارع، ونادت:
– “مازن!”
وقف، ولفّ لها وهو لسه بيبكي…
لكن قال جملة هزّت قلبها:
– “أنا ما سرقتش… بس لو كنت سرقت، كان عشان نفسي أجيب كراسة زي اللي في إيدك.”
ندى وقفت، والكلمة سابت طعم ملح في عينيها.
كراسة؟
الكراسة اللي بتكتب فيها حكاياتهم؟
هو شايفها؟
هو عارفها؟!
رجعت البيت وهي مش هي…
دخلت أوضتها، وقعدت قدام الشباك،
لكن للمرة الأولى، ما قدرتش تكتب.
لأن الحكاية المرة دي مش مجرد مشهد…
هي كانت جزء منه.
كتبت في آخر صفحة من الكراسة:
“أنا نزلت من الشباك.
أنا دلوقتي مش بتفرج…
أنا بقيت في الصورة.”
اكتشاف المزيد من ترند مصر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.