شباك في الحي

شباك في الحي

الفصل السادس: ندى بتخرج


الشباك بقى مكسوف من ندى.
بقالي يومين ما قعدتش أكتب.
حتى الكراسة، حسّيت إنها مش مستعدة تسمع.
كل حاجة حواليّ ماشية، والحي عايش حياته، بس جوايا حاجة مش طبيعية.

كل اللي حصل مع مازن، وكل نظراته، وصوت الضابط، وكلمة رغدة…
كل دا فضل يزنّ في دماغي،
لحد ما خدت القرار:

“أنا لازم أروح لرغدة.”


كان بعد الضهر بشوية، الجو دافي، والشارع أهدى من العادة.
أمي نايمة، وأنا لبست الطرحة ومشيت على سلالم العمارة اللي حافظاها من وأنا صغيرة،
لكن أول مرة أنزل دورين وأنا مش رايحة لحد غير نفسي.

وقفت قدام باب شقتها…
الباب اللي عمره ما كان مفتوح، ولا حتى نص فتحة.

رفعت إيدي وخبطت.

مرة.
مرتين.
ثلاثة.

وبعد لحظة طويلة، الباب اتفتح.
ورغدة كانت واقفة، لابسة إسدال بيتي بسيط، وشعرها مربوط، وعينيها… مرهقة.

بصتلي، واستغربت، وقالت بهدوء:
– “أيوه؟”

– “أنا ندى… ساكنة فوقك.”
– “عارفة… في حاجة؟”

– “ممكن أتكلم معاكي دقيقة؟”


سكتت لحظة، وبعدين فتحت الباب أكتر وقالت:
– “تفضّلي.”

دخلت الشقة، بسيطة جدًا…
كنبة قديمة، سجادة صغيرة، وفيه ريحة بخور خفيفة في الجو.

قعدت، وقعدت قصادي، وبصتلي وقالت:
– “إنتي جايه تسأليني عن الولد؟”

هزّيت راسي:
– “أيوه. إنتي قلتي إنه بيتجسس عليكي؟”

رغدة حركت صوابعها بتوتر وقالت:
– “أنا مش قلت كده بالضبط.
أنا صحيت يوميها، ولقيت ورقة محطوطة تحت الباب، مكتوب فيها كلام غريب…
وحسيت إني مترصّدة.
ومازن هو الوحيد اللي بيعدّي من تحت بيتنا يوميًا، وفاكرة عينيه…”

ندى قاطعتها بهدوء:
– “بس هو كان نايم عند عمه من يوم خناقة أبوه.
وأنا اللي لقيته هناك بنفسي.”

رغدة سكتت.

أنا كنت شايفة إنها مش مقتنعة، بس مش متأكدة.

قلت لها:
– “بصراحة… أنا كنت بتفرّج عليكي من الشباك سنين،
ومازن بيتفرج على الحياة من الشارع،
بس الظلم بيبدأ لما نصدق عيونا ونكذّب قلوبنا.”


رغدة دمعت عينيها فجأة،
وقالت بصوت واطي:
– “أنا مش خايفة من مازن…
أنا خايفة من اللي ورا مازن.”

– “تقصدِى إيه؟”

– “الورقة دي مش أول مرة توصلني…
فيه حد بيتتبعني بجد…
وبيهددني.”


سكتنا.
والصمت كان تقيل جدًا.

رغدة مش هي اللي الناس رسموا صورتها.
ومازن مش العيل اللي سهل نرمي عليه التهمة.

بس دلوقتي…
فيه حد تالت في الحكاية.


رجعت ندى بيتها، دماغها فيها ألف علامة استفهام،
قعدت قدام الشباك، ومسكت الكراسة، وكتبت:

“أنا مش في حكاية وحدة.
أنا وسط شبكة من الحكايات،
كل خيط فيها متعلق بالتاني.
ورغدة… مش مذنبة.
ومازن… مش متهم.
بس فيه مجرم…
وده اللي لسه ما بانش.”


اكتشاف المزيد من ترند مصر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد